حَبّوبي
آل الحَبّوبي: تنتهي هذه الاسره إلى الإمام الحسن السّبط بن الإمام علي بن أبي طالب عليهما السّلام. تميزت بالخلق الرفيع متوارثة عن اجدادها العظام، ومنهم السيّد مصطفى الذي سمّي بـ ( حبّوبي ) لطِيب قلبه ورقة شعوره وسلامة منطقه، يخاطب الجميع بكلمة « حبّوبي » أي حبيبي، ومنه استمدت الاسرة لقبها الشّهير، واضيف ( الـ ) بعد حين فاصبح لقب الاسرة ( الحبّوبي ).
اشتهر ابناؤها بالعلم والادب وعلوم الشّريعة كاشتهارهم بالخلق الفاضل والشّجاعة والكرم، وان العالم الجليل السيّد محمد سعيد الحبوبي 1266 ـ 1333هـ احد ابرز ابنائها، حمل ألوية الشّعر والفقه والجهاد، ويعد من شعراء القرن التّاسع عشر الميلادي.
ولد في النجف الاشرف في 19 نيسان 1849م ونشأ وترعرع وتعلم ودرس على طائفة من اعلام عصره الأجلاّء، ففي العاشرة من عمره سَرَت في عروقه روح الأدب وتتلمذ لوالده ( الفقيه التّاجر )، ثم رعاه خاله الشّيخ عباس الاعسم، فقرأ عليه علوم النحو والبيان والمعاني، وزرع في اعماقه بذرة الشّعر. ورحل والده إلى حائل ببادية نجد ولهم فيها امتدادات نسب ولحق به الابن الحبّوبي، فعاش وتخيل في تلك البوادي ثلاث سنوات فجرى فيه ينبوع الشعر وخيال الشّعر، ومارس الفروسية ولعبة الافق. وفي لحظاته تلك كتب قصيدة يناشد فيها أخيلة الحب العذري في صحارى نجد، قال له والده ( هذه القصيدة مثل عينيك ) لأن في عينيه مدى بعيداً من الرؤى الحالمة. وأمتلاء بالتّرحال. وتذكرَ النجف وبيوت الشّعر ومجالس الادب فحنّ إليها وعاد إلى مدينته الاولى وهو في الثّامنة عشرة.
ومنذ لحظته انتمى إلى المنتدى الشّعري في النجف، ويومها كان الشّعر تراثها اليومي أو سلوكها إلى السّياسة، فكتب وأنشد أمام جيل الرواد: جواد الشّبيبي وجعفر الشّرقي وعباس القريشي وجعفر الحلي، ولم يصدقوا أن للحبوبي مثل هذه الموهبة الّتي ولد فيها شعره وإنشاده، فامتحنوه وأرغموه على امتحان الشعر الصعب، فخرج يبزّ الجميع بشعره المكتوب والمرتجَل وسباق التقفية. وقالوا: لعله هو الاول على مدرسة الشعر النجفي ولا سيما في تخميساته وموشحاته.
وفي عقده الرابع هجر الشعر كرهاً وكأن الشعر في النجف انخفض، وعاد يتأصل في دراسته الفقهية، وتتلمذ لكبار فقهاء الجامعة النجفيّة الكبرى ولا سيما على فقيهها المجتهد محمد طه نجف الذي أجازه فقهاً وأصولاً، فصار الحبوبي حتّى وفاته الأصولي الأول أو المرجع الاعلى في المسألة وله في علومه مصنفات ومؤلفات وحواش وتعليقات غيّبها التاريخ عن اعين اسرته.
وأهم شيء في حياته الدينية أو الاجتهادية ابتداعه نظرية ( الجدل المنطقي في حركة الاستقراء )، ونظرية ( استنباط المسألة في ذات المسألة )، ونظرية (الحوار المفتوح في الحلقة الفقهية ) وهي النظريات التي ألهمت مدرسة الاجتهاد النجفي وعمّقت في الدارسين موهبة الجدل والاستدلال والانفتاح العقلي.
وكانت تضمّه مع جمال الدين الافغاني ( 1839 ـ 1897 ) حلقة فقهية واحدة فعَمِلا على تعميم نظرية ( أنّ الدين للحياة ). وامتدت صلته بالافغاني حتّى بعد تخرجه في الجامعة النجفية وذهابه إلى القاهرة وباريس. وقال عنه الافغاني ( إن الحبوبي عبقري التوحيد الإسلامي ). وكانت رسائلهما المتبادلة تشكّل مقدمة في الادب السياسي الإسلامي.
وعندما ربط الحبوبي الدين بالحياة من لحظة جلوسه في حلقة الفقه شهر سيف الجهاد على الاستبداد العثماني وندد بجماعة ( الاتحاد والترقّي ) عندما دعت إلى تتريك اللسان العربي، فأيقظ في النّفوس لغة العرب وحرك في الاعماق لواعج الاستقلال عن امبراطورية العثمانيين، وكان يقول لطلبة العلم في معاهد النجف: ( من لا وطن له لا دين له ). ولقد جعل الاجتهاد والجهاد مدرسة الحياة.
واحتل الانكليز ثغر العراق ( البصرة ) في تشرين الثاني 1914، وهرع السيّد الجليل الحبوبي يصعد إلى المنبر في الصحن الحيدري: ( إلى الجهاد.. إلى الدفاع عن مقدساتكم ). وكانت فتاواه هذه تذاع في ارياف العراق فهز بها القلوب وهز المشايخ ورؤساء القبائل، وفي اليوم الثاني التأم الحشد في ميدان النجف، وإذا بالحبوبي يتمنطق بسيف الجهاد على فرس مطهمة والطبول تعزف ايقاعه الرشيق، وموكبه الخالد الهائل يصل شط الكوفة. وتبحر به السّفن والبواخر إلى أرخبيل العشائر على نهر الفرات. ثم يصل إلى مدينة السّماوة والنّاصرية فالقرنة، والعشائر في كل العراق جاءت إليه بسيوفها وبنادقها ورماحها. وبلغ الحشد خمسين ألفاً، وكانت المعركة في ( الشّعيبة ) بالبصرة، والحبوبي فارسها يوزع هنا فتوى وهنا ينظم سياق السّيوف والرجال. وهنا التّحق به الزعيم الكردي ( محمود الحفيد ) ومعه آلاف الاكراد بين سيف وفرس وراجل، فسالت الدماء العربية الكردية على مذبح الشّهادة العراقية.
وكانت سبعة اشهر هي كل مدى المعارك، ولم تكن الاسلحة متكافئة بين الغزاة والمجاهدين، فانسحب الاتراك لمّا دبّ الضعف فيهم، وانتحر قائدهم سليمان، وتراجع المجاهدون بين كرّ وفرّ، والحبوبي يشمخ بقامته باتجاه الافق ويرى ثلاثة الاف شهيد يسقطون تباعاً، وانهمك متعباً حتّى انسحب إلى النّاصرية، وما نام في ليل أو نهار ولا استقر قلبه.
ولعله كان يذرف دموع الجهاد الداخلي ببطء وتآكل. وفي لحظة كبرياء أغمض عينيه وفاضت روحه في مقرّه في بيت الحاج طالب العنزي والد الاستاذ ناجي طالب أحد رؤساء الوزارة العراقية السّابقة وفتح التّاريخ له ابوابه.
نعم التّاريخ العظيم لا يستقبل إلا الافذاذ الكبار، وكان واحداً منهم هذا السيّد الكبير النّبيل الذي بلغ جهاده في سبيل الحرية حد الاعجاز. وحتّى العثمانيون في وثائقهم قالوا: هو المجاهد الكبير، وأولئك الغزاة الانكليز قالوا كذلك: هو المجتهد المجاهد العنيف. وأما نحن... حفدة التاريخ فنُكبِر فيه صلاة الجهاد، وكانت قامته قامة العراق، وكانت كل كلماته طريقاً إلى الحرية.
ومن رموز الاسرة الحبوبية عميدها السّابق السيّد عمران موسى الحبوبي ( 1270 ـ 1351 هـ ) الذي سافر إلى الحجاز واقام في المدينة المنورة، وأصبح أحد أبرز الوجوه فيها حيث كان شيخ التجّار وصاحب أوسع ديوان يؤمّه مختلف طبقات المجتمع يومياً، وفي موسم الحج يتوافد إليه الحجّاج لا سيما العراقيين. وتُنقل عنه الاساطير في الكرم والفروسية، وعند وفاته أقيمت له المجالس التّأبينية في المدينة المنورة وفي العراق وسوريا وغيرها، وألقيت قصائد وكلمات شارك فيها العلماء وكبار الشعراء والكتاب، ودفن في مقبرته في البقيع مقابل مرقد جده الإمام الحسن السّبط عليه السّلام في المدينة المنورة.
واشتهر بعض افراد الاسرة، منهم العلاّمة السيّد عبدالهادي محمود الحبّوبي رجل الدين والمكانة الاجتماعية المرموقة وصاحب المجلس العامر بأفضل الوجوه العلمية والادبية وشيوخ العشائر. وكذلك السيّد يحيى هاشم الحبوبي رجل الحكمة والبصيرة فهو أحد مؤسسي مدرسة الغري الأهلية في النجف، وهي اول مدرسة تفتح ابوابها بشكل منظم عام 1921م.
والسيّد علي عبد الحبّوبي الّذي سكن مدينة النّعمانية واصبح رئيساً لها.
والسيّد يوسف مطلق الحبّوبي الّذي يسكن السماوة فكان من رجالها الافذاذ، وعرف بالتّجارة والشّجاعة وله مكانة محترمة من القبائل، فالقوافل الّتي يقودها السيّد الحبوبي موضع أمان في جميع البوادي، لشجاعته وحكمته في معالجة الامور.
أمّا الشّعر ففي الأسرة عدد كبير من الشّعراء المتميّزين بين الشّعراء، وقد حمل لواء الشّعر السيّد محمد سعيد الحبّوبي في الوطن العربي برمته، وتلاه السيّد محمود الحبوبي عميد الرابطة الادبية في النجف.
وفي الأسرة اليوم عدد من الشّعراء، منهم السيّد عبدالغفار الحبّوبي والسيّد الدّكتور فاروق الحبّوبي، يتقدمهم الشّاعر السيّد عبدالغني الحبّوبي الّذي له حضور شعري متميز في جميع النّدوات الادبية.
وفي الأسرة عدد كبير من حملة الشّهادات العليا في مختلف العلوم، ومن ابنائها عدد من الأطباء الاختصاصيين، وأحدهم ذو شهرة عالمية وهو السيّد الدّكتور نجيب يعقوب الحبّوبي في المملكة المتحدة. وعمل آخرون في الحقول التّربوبية والادارية والدبلوماسية والاجتماعية والتّجارية، فكانوا جميعاً مثالاً للكفاءة والنزاهة والتّواضع.
وهذا عميدهم الراحل السيّد إبراهيم سعيد الحبوبي ( 1894 ـ 1999م ) رحمه الله تعالى من ألمع الوجوه النجفية، فكان أحد اعضاء لجنة ترميم وصيانة الروضة الحيدرية المقدسة في العهود السابقة، وأحد مؤسسي غرفة تجارة النجف عام 1950، وأحد رؤسائها السّابقين. وهو من رواد الصّناعة الاوائل في النجف ومن التجار المعروفين بالصّدق والاستقامة داخل وخارج العراق، فهو بحق التّاجر الفقيه، وله دور كبير في حل المشاكل بين التّجار وحل النّزاعات العشائرية، ولطالما حفظ الدماء لمكانته الاجتماعية المتميزة، فهو سليل المجتبى عليه السّلام ولتمسكه الديني منذ صباه بالاستقامة المعروفة كانت قراراته موضع احترام والتّزام من قبل الجميع. وكان احد اعضاء المجلس الاداري لفترة طويلة، ولكنه قدّم استقالته حينما عيّن ولده قائم مقام النجف عام 1970. كان من المعمرين، حيث عاش اكثر من مئة عام، وتوفي ليلة الجمعة من شهر رمضان عام 1419هـ ودفن في مقبرته بجوار جده المرتضى يوم الجمعة 1/1/1999، وقد رثاه شاعر آل البيت الاستاذ علي الحيدري مؤرخاً وفاته.
ولم يعقب سوى ولد واحد هو السيّد عبدالرزاق إبراهيم الحبوبي الذي تميز في جميع مجالات عمله التّربوية والادارية والدبلوماسية والاجتماعية، وهو عميد الأسرة الحبوبية حالياً وعميد رابطة السّادة الاشراف الحسنية في العالم الإسلامي.
اطلعت على مشجرة النّسب الاصيل للسادة آل الحبوبي الّتي تبدأ بالسيّد مصطفى الحبّوبي بن السيّد جمال الدين بن السيّد رضاء الدين بن السيّد سيف الدين بن السيّد رميثة بن السيّد رضاء الدين بن السيّد محمد علي بن السيّد عطيفة الجد الجامع للسادة الحسنية الاشراف ابن السيّد رضاء الدين بن السيّد علاء الدين بن السيّد المرتضى بن الشّريف محمد بن السيّد عز الدين حميضة الذي هاجر إلى العراق ( سنة 718هـ الموافق 1318م ) ابن السيّد محمد بن السيّد أبي نمي الاول بن السيّد الحسن أبي سعد ابن السيّد علي بن السيّد قتادة بن السيّد ادريس بن السيّد مطاعن بن السيّد عبدالكريم ابن السيّد عيسى بن السيّد الحسين بن السيّد سليمان بن السيّد علي بن السيّد محمد الثّعلب بن السيّد عبدالله الاكبر بن السيّد محمد الثّائر الاكبر بن السيّد موسى الثّاني بن السيّد عبدالله الصّالح بن السيّد موسى الجون بن السيّد عبدالله المحض بن السيّد الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السّلام.
منقوول
آل الحَبّوبي: تنتهي هذه الاسره إلى الإمام الحسن السّبط بن الإمام علي بن أبي طالب عليهما السّلام. تميزت بالخلق الرفيع متوارثة عن اجدادها العظام، ومنهم السيّد مصطفى الذي سمّي بـ ( حبّوبي ) لطِيب قلبه ورقة شعوره وسلامة منطقه، يخاطب الجميع بكلمة « حبّوبي » أي حبيبي، ومنه استمدت الاسرة لقبها الشّهير، واضيف ( الـ ) بعد حين فاصبح لقب الاسرة ( الحبّوبي ).
اشتهر ابناؤها بالعلم والادب وعلوم الشّريعة كاشتهارهم بالخلق الفاضل والشّجاعة والكرم، وان العالم الجليل السيّد محمد سعيد الحبوبي 1266 ـ 1333هـ احد ابرز ابنائها، حمل ألوية الشّعر والفقه والجهاد، ويعد من شعراء القرن التّاسع عشر الميلادي.
ولد في النجف الاشرف في 19 نيسان 1849م ونشأ وترعرع وتعلم ودرس على طائفة من اعلام عصره الأجلاّء، ففي العاشرة من عمره سَرَت في عروقه روح الأدب وتتلمذ لوالده ( الفقيه التّاجر )، ثم رعاه خاله الشّيخ عباس الاعسم، فقرأ عليه علوم النحو والبيان والمعاني، وزرع في اعماقه بذرة الشّعر. ورحل والده إلى حائل ببادية نجد ولهم فيها امتدادات نسب ولحق به الابن الحبّوبي، فعاش وتخيل في تلك البوادي ثلاث سنوات فجرى فيه ينبوع الشعر وخيال الشّعر، ومارس الفروسية ولعبة الافق. وفي لحظاته تلك كتب قصيدة يناشد فيها أخيلة الحب العذري في صحارى نجد، قال له والده ( هذه القصيدة مثل عينيك ) لأن في عينيه مدى بعيداً من الرؤى الحالمة. وأمتلاء بالتّرحال. وتذكرَ النجف وبيوت الشّعر ومجالس الادب فحنّ إليها وعاد إلى مدينته الاولى وهو في الثّامنة عشرة.
ومنذ لحظته انتمى إلى المنتدى الشّعري في النجف، ويومها كان الشّعر تراثها اليومي أو سلوكها إلى السّياسة، فكتب وأنشد أمام جيل الرواد: جواد الشّبيبي وجعفر الشّرقي وعباس القريشي وجعفر الحلي، ولم يصدقوا أن للحبوبي مثل هذه الموهبة الّتي ولد فيها شعره وإنشاده، فامتحنوه وأرغموه على امتحان الشعر الصعب، فخرج يبزّ الجميع بشعره المكتوب والمرتجَل وسباق التقفية. وقالوا: لعله هو الاول على مدرسة الشعر النجفي ولا سيما في تخميساته وموشحاته.
وفي عقده الرابع هجر الشعر كرهاً وكأن الشعر في النجف انخفض، وعاد يتأصل في دراسته الفقهية، وتتلمذ لكبار فقهاء الجامعة النجفيّة الكبرى ولا سيما على فقيهها المجتهد محمد طه نجف الذي أجازه فقهاً وأصولاً، فصار الحبوبي حتّى وفاته الأصولي الأول أو المرجع الاعلى في المسألة وله في علومه مصنفات ومؤلفات وحواش وتعليقات غيّبها التاريخ عن اعين اسرته.
وأهم شيء في حياته الدينية أو الاجتهادية ابتداعه نظرية ( الجدل المنطقي في حركة الاستقراء )، ونظرية ( استنباط المسألة في ذات المسألة )، ونظرية (الحوار المفتوح في الحلقة الفقهية ) وهي النظريات التي ألهمت مدرسة الاجتهاد النجفي وعمّقت في الدارسين موهبة الجدل والاستدلال والانفتاح العقلي.
وكانت تضمّه مع جمال الدين الافغاني ( 1839 ـ 1897 ) حلقة فقهية واحدة فعَمِلا على تعميم نظرية ( أنّ الدين للحياة ). وامتدت صلته بالافغاني حتّى بعد تخرجه في الجامعة النجفية وذهابه إلى القاهرة وباريس. وقال عنه الافغاني ( إن الحبوبي عبقري التوحيد الإسلامي ). وكانت رسائلهما المتبادلة تشكّل مقدمة في الادب السياسي الإسلامي.
وعندما ربط الحبوبي الدين بالحياة من لحظة جلوسه في حلقة الفقه شهر سيف الجهاد على الاستبداد العثماني وندد بجماعة ( الاتحاد والترقّي ) عندما دعت إلى تتريك اللسان العربي، فأيقظ في النّفوس لغة العرب وحرك في الاعماق لواعج الاستقلال عن امبراطورية العثمانيين، وكان يقول لطلبة العلم في معاهد النجف: ( من لا وطن له لا دين له ). ولقد جعل الاجتهاد والجهاد مدرسة الحياة.
واحتل الانكليز ثغر العراق ( البصرة ) في تشرين الثاني 1914، وهرع السيّد الجليل الحبوبي يصعد إلى المنبر في الصحن الحيدري: ( إلى الجهاد.. إلى الدفاع عن مقدساتكم ). وكانت فتاواه هذه تذاع في ارياف العراق فهز بها القلوب وهز المشايخ ورؤساء القبائل، وفي اليوم الثاني التأم الحشد في ميدان النجف، وإذا بالحبوبي يتمنطق بسيف الجهاد على فرس مطهمة والطبول تعزف ايقاعه الرشيق، وموكبه الخالد الهائل يصل شط الكوفة. وتبحر به السّفن والبواخر إلى أرخبيل العشائر على نهر الفرات. ثم يصل إلى مدينة السّماوة والنّاصرية فالقرنة، والعشائر في كل العراق جاءت إليه بسيوفها وبنادقها ورماحها. وبلغ الحشد خمسين ألفاً، وكانت المعركة في ( الشّعيبة ) بالبصرة، والحبوبي فارسها يوزع هنا فتوى وهنا ينظم سياق السّيوف والرجال. وهنا التّحق به الزعيم الكردي ( محمود الحفيد ) ومعه آلاف الاكراد بين سيف وفرس وراجل، فسالت الدماء العربية الكردية على مذبح الشّهادة العراقية.
وكانت سبعة اشهر هي كل مدى المعارك، ولم تكن الاسلحة متكافئة بين الغزاة والمجاهدين، فانسحب الاتراك لمّا دبّ الضعف فيهم، وانتحر قائدهم سليمان، وتراجع المجاهدون بين كرّ وفرّ، والحبوبي يشمخ بقامته باتجاه الافق ويرى ثلاثة الاف شهيد يسقطون تباعاً، وانهمك متعباً حتّى انسحب إلى النّاصرية، وما نام في ليل أو نهار ولا استقر قلبه.
ولعله كان يذرف دموع الجهاد الداخلي ببطء وتآكل. وفي لحظة كبرياء أغمض عينيه وفاضت روحه في مقرّه في بيت الحاج طالب العنزي والد الاستاذ ناجي طالب أحد رؤساء الوزارة العراقية السّابقة وفتح التّاريخ له ابوابه.
نعم التّاريخ العظيم لا يستقبل إلا الافذاذ الكبار، وكان واحداً منهم هذا السيّد الكبير النّبيل الذي بلغ جهاده في سبيل الحرية حد الاعجاز. وحتّى العثمانيون في وثائقهم قالوا: هو المجاهد الكبير، وأولئك الغزاة الانكليز قالوا كذلك: هو المجتهد المجاهد العنيف. وأما نحن... حفدة التاريخ فنُكبِر فيه صلاة الجهاد، وكانت قامته قامة العراق، وكانت كل كلماته طريقاً إلى الحرية.
ومن رموز الاسرة الحبوبية عميدها السّابق السيّد عمران موسى الحبوبي ( 1270 ـ 1351 هـ ) الذي سافر إلى الحجاز واقام في المدينة المنورة، وأصبح أحد أبرز الوجوه فيها حيث كان شيخ التجّار وصاحب أوسع ديوان يؤمّه مختلف طبقات المجتمع يومياً، وفي موسم الحج يتوافد إليه الحجّاج لا سيما العراقيين. وتُنقل عنه الاساطير في الكرم والفروسية، وعند وفاته أقيمت له المجالس التّأبينية في المدينة المنورة وفي العراق وسوريا وغيرها، وألقيت قصائد وكلمات شارك فيها العلماء وكبار الشعراء والكتاب، ودفن في مقبرته في البقيع مقابل مرقد جده الإمام الحسن السّبط عليه السّلام في المدينة المنورة.
واشتهر بعض افراد الاسرة، منهم العلاّمة السيّد عبدالهادي محمود الحبّوبي رجل الدين والمكانة الاجتماعية المرموقة وصاحب المجلس العامر بأفضل الوجوه العلمية والادبية وشيوخ العشائر. وكذلك السيّد يحيى هاشم الحبوبي رجل الحكمة والبصيرة فهو أحد مؤسسي مدرسة الغري الأهلية في النجف، وهي اول مدرسة تفتح ابوابها بشكل منظم عام 1921م.
والسيّد علي عبد الحبّوبي الّذي سكن مدينة النّعمانية واصبح رئيساً لها.
والسيّد يوسف مطلق الحبّوبي الّذي يسكن السماوة فكان من رجالها الافذاذ، وعرف بالتّجارة والشّجاعة وله مكانة محترمة من القبائل، فالقوافل الّتي يقودها السيّد الحبوبي موضع أمان في جميع البوادي، لشجاعته وحكمته في معالجة الامور.
أمّا الشّعر ففي الأسرة عدد كبير من الشّعراء المتميّزين بين الشّعراء، وقد حمل لواء الشّعر السيّد محمد سعيد الحبّوبي في الوطن العربي برمته، وتلاه السيّد محمود الحبوبي عميد الرابطة الادبية في النجف.
وفي الأسرة اليوم عدد من الشّعراء، منهم السيّد عبدالغفار الحبّوبي والسيّد الدّكتور فاروق الحبّوبي، يتقدمهم الشّاعر السيّد عبدالغني الحبّوبي الّذي له حضور شعري متميز في جميع النّدوات الادبية.
وفي الأسرة عدد كبير من حملة الشّهادات العليا في مختلف العلوم، ومن ابنائها عدد من الأطباء الاختصاصيين، وأحدهم ذو شهرة عالمية وهو السيّد الدّكتور نجيب يعقوب الحبّوبي في المملكة المتحدة. وعمل آخرون في الحقول التّربوبية والادارية والدبلوماسية والاجتماعية والتّجارية، فكانوا جميعاً مثالاً للكفاءة والنزاهة والتّواضع.
وهذا عميدهم الراحل السيّد إبراهيم سعيد الحبوبي ( 1894 ـ 1999م ) رحمه الله تعالى من ألمع الوجوه النجفية، فكان أحد اعضاء لجنة ترميم وصيانة الروضة الحيدرية المقدسة في العهود السابقة، وأحد مؤسسي غرفة تجارة النجف عام 1950، وأحد رؤسائها السّابقين. وهو من رواد الصّناعة الاوائل في النجف ومن التجار المعروفين بالصّدق والاستقامة داخل وخارج العراق، فهو بحق التّاجر الفقيه، وله دور كبير في حل المشاكل بين التّجار وحل النّزاعات العشائرية، ولطالما حفظ الدماء لمكانته الاجتماعية المتميزة، فهو سليل المجتبى عليه السّلام ولتمسكه الديني منذ صباه بالاستقامة المعروفة كانت قراراته موضع احترام والتّزام من قبل الجميع. وكان احد اعضاء المجلس الاداري لفترة طويلة، ولكنه قدّم استقالته حينما عيّن ولده قائم مقام النجف عام 1970. كان من المعمرين، حيث عاش اكثر من مئة عام، وتوفي ليلة الجمعة من شهر رمضان عام 1419هـ ودفن في مقبرته بجوار جده المرتضى يوم الجمعة 1/1/1999، وقد رثاه شاعر آل البيت الاستاذ علي الحيدري مؤرخاً وفاته.
ولم يعقب سوى ولد واحد هو السيّد عبدالرزاق إبراهيم الحبوبي الذي تميز في جميع مجالات عمله التّربوية والادارية والدبلوماسية والاجتماعية، وهو عميد الأسرة الحبوبية حالياً وعميد رابطة السّادة الاشراف الحسنية في العالم الإسلامي.
اطلعت على مشجرة النّسب الاصيل للسادة آل الحبوبي الّتي تبدأ بالسيّد مصطفى الحبّوبي بن السيّد جمال الدين بن السيّد رضاء الدين بن السيّد سيف الدين بن السيّد رميثة بن السيّد رضاء الدين بن السيّد محمد علي بن السيّد عطيفة الجد الجامع للسادة الحسنية الاشراف ابن السيّد رضاء الدين بن السيّد علاء الدين بن السيّد المرتضى بن الشّريف محمد بن السيّد عز الدين حميضة الذي هاجر إلى العراق ( سنة 718هـ الموافق 1318م ) ابن السيّد محمد بن السيّد أبي نمي الاول بن السيّد الحسن أبي سعد ابن السيّد علي بن السيّد قتادة بن السيّد ادريس بن السيّد مطاعن بن السيّد عبدالكريم ابن السيّد عيسى بن السيّد الحسين بن السيّد سليمان بن السيّد علي بن السيّد محمد الثّعلب بن السيّد عبدالله الاكبر بن السيّد محمد الثّائر الاكبر بن السيّد موسى الثّاني بن السيّد عبدالله الصّالح بن السيّد موسى الجون بن السيّد عبدالله المحض بن السيّد الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السّلام.
منقوول