أن سقوط الحضارات وانتهاء عصر الحكام الأقوياء أدى إلى انهيار السدود وانهدام النواظم واندرست الأنهار وقنوات الري فأصبحت المياه تتدفق بلا موجه أو مدبر فغمرت من الأراضي الشاسعة في جنوب العراق وكونت مساحات واسعة من المياه غطت معالم وآثار الحضارة القديمة .. فما هذه القطع النقدية المعدنية وما ذلك الفخار الأصفر إلا من بقايا الحضارات قبل أن تغمرها المياه وعلى كل حال أوجدت المياه عنصر الحياة .. الحشائش المختلفة وتكونت بشكل غابات كثيفة من القصب والبردي ونباتات أخرى .. في حين أحتفظت آثار المدن القديمة بارتفاعها كتلال تسمى ( اليشن) ومفردها ( ايشان ) وعاشت فيها أنواع كثيرة من الحيوانات المائية والمتوحشة وهاجرت إليها الطيور في مواسم البرد.. وهكذا كانت الاهوار عالما كبيرا طالما أحتفظت بمكنوناتها المائية والنباتية والحيوانية نتيجة لما يصب فيها من مياه عند نهايات الانهارالكثيرة التي تخترق محافظة ميسان ( المصندك والبتيرة والكحلاء والمشرح وفروع نهر دجلة المجر الكبير وفرعاه العدل والوادية ونهر الكسارة والسطيح ) وهذه تغطي مساحات واسعة ويشكل الجانب الشرقي منها هور الحويزة الذي يمتد على طول الجنوب الشرقي لمياه الاهوار القريبة في جنوب ميسان عند العزير والذي يتصل بأهوار الجبايش في محافظة ذي قار ..، وهناك أهوار الصحين والسلام والميمونة وهور السنية المقابل لقضاء علي الغربي وناحية علي الشرقي من جهة الغرب وكما تنوعت الاهوار في مواقعها وأشيائها الكثيرة فقد تنوع سكانها من حيث التكوين العشائري فسكان الاهوار الشرقية هم من( النوافل والبو غنام) وسكان الاهوار الغربية الجنوبية يسكنها ( البوبخيت) وعشائر متفرقة ويعيش عدد كبير من الصيادين في الاهوار الغربية من شمال ميسان أما أهوار ميسان الجنوبية الغربية فتعيش فيها عشائر آل أزيرج وتعيش في أهوار المجرالكبير أفخاذ ( بطون) من عشائرالفريجات والسويعديين والشغانبه والفتله والفرطوس وتميم و البو محمد وعشائر أخرى أما السواعد فيعيشون قريبا من اهوار نهر المشرح وقسم من اهوار الحويزة من بدايتها الشمالية الشرقية لقد عاشت مناطق الاهوار أكتفاء ذاتيا عبر سنوات طويلة معتمدة على مافيها من ثروات بحيث اصبح الإنسان معزولا نتيجة عدم الحاجة إلى المدن فهو يبحث عن عمله داخل الهور كصياد للسمك أو الطيور في مواسم صيدها شتاء أو بقطع القصب والبردي والجولان للصناعات اليدوية الشعبية ( كصناعة الحصران من القصب ولها مسميات : بارية وطريدة وعشيراوية )وكذلك الحصران والطبك ويصنعان من نبات الجولان المجفف وسعف النخيل ) كما يزرع الرز ( الشلب) في المناطق الضحلة أورعى الحيوانات.ويسكن بيتا مصنوعا من القصب والبردي الذي يجمعه من الهور ويكون البيت عادة على المناطق المرتفعة أو على جباشة يصنعها هو ( وهي كدس من القصب والبردي والطين تعمل منه الأرض الصناعية واحيانا تكون متحركة عند الفيضان ) وقد يكون هناك أكثر من عشر بيوت أو أكثر في منطقة واحدة عندئذ يطلق عليها ( سَلف) ومن الحيوانات يحصل على اللحوم وكذلك من الأبقار ومن منتجاتها يتغذى أو يصدر إلى خارج الهور وكان سكان الاهوار سابقا لا يشربون الشاي فهم لا يحتاجون السكر إلا بعد مرحلة متأخرة أو بعد دخول الإنكليز إلى العراق كما أن هناك نباتات يستعمل منها نبتة مثل( العكّيد) أو مطبوخة أو مملحة مثل ( الكاط) ومسحوق زهور البردي ويسمى ( الخرّيط).وان عرب الاهوار لايتزوجون من خارج بيئتهم وهذا يؤكد انهم أحتفظوا بنقائهم وأصولهم وهويتهم العربية ولخشونة الحياة في هذه المناطق ومناخها الاجتماعي الخاص وظروفها البيئية لم يستطع أي من الغرباء أو الغاصبين التسرب إلى المنطقة أو استيطانها.
=================
المصدر /
عرب الاهوار-- ويلفريد ثيسيكر
=================
المصدر /
عرب الاهوار-- ويلفريد ثيسيكر