الكاتب: محمد الصمداني
انتشر في بعض بلاد العرب و العجم في القرون المتأخرة عدة ألقاب و مسميات أطلقت على من كان من ذرية الحسن أو الحسين رضي الله تعالى عنهما بصورة أو بأخرى ، و قد تسربت هذه الألقاب إلى كثير من البقاع المعروفة بعروبتها كالعراق و نواحٍ من الجزيرة العربية فضلاً عن غيرها من البلدان . و معظم هذه الألفاظ من ترسبات العهد الصفوي و ما بعده من الدول التي حكمت في إيران و العراق و ما حولهما .
و اليوم تحمل بعض الأسر تلك الألقاب ، و يخاطب كثير منها بالسيادة و الشرف استناداً على مجرد تحصيل تلك الألقاب . ما هي تلك الألقاب ؟ و ما مدى دلالتها على الشرف و السيادة ؟؟
تنبيه :
لم أتعرض لأشهر لفظين يدلان على تحصيل الشرف ، و هما لفظي :" السيد ، و الشريف " ، و ذلك لأن الكلام حولهما يحتاج إلى إفراد مستقل لكثرة ما يتعلق بهما من مسائل ، و سيأتي الحديث عنهما مفصلاً بحول الله و قوته في موقعنا ، و هذا المقال مخصص للحديث فيما سواهما ، و هو مبحث لم أجد من أفرده بالكتابة أو التصيف ، و الله أعلم .
الإيقاظ الأول : في بيان الألفاظ الشائعة التي تدل على الشرف و السيادة .
من هذه الألفاظ :
1- ( مولاي ) : و هو شائع الاستعمال عند أهل المغرب العربي ، و تسرب منه إلى غيره من البلدان . و هو :".. لا يطلق عند أهل المغرب إلا على الشريف ، كما أن لفظة السيد لا تطلق إلا على الشريف عند أهل المشرق ، و كل ذلك بحسب الاصطلاح . و قد اختص بها منهم أشراف بلدة تافيلال " .
2- ( الأمير ): هذا اللفظ يدل على المعهود من اللغة ، فهو يتناول معنى ( الإمارة ) التي لا يخفى معناها . و قد انتشر استعماله في فارس و شمال العراق في القرن العاشر و ما بعده للدلالة على معنى السيادة .
3- ( المير ) : المير اختصار من كلمة ( الأمير ) ، و قد ترسبت هذه الكلمة في كثير من الأسر التي تنتسب لأصول عجمية . و كانت كثيرة الاستعمال في فارس و أفغانستان و الهند .
4- ( ميرزا ) : ( الميرزا ) : معناها في لغة الأفغان المعاصرة : الكاتب ، ( مثل : الذين يدرسون أصحاب الكتاتيب ) ، و تطلق اليوم في ( باكستان ) ، و نواحٍ من ( أفغانستان ) على من انتسب إلى نحلة ( القاديانية ) الكافرة ، كما في باكستان ، إذ إنهم يقولون في ( القادياني ) : ( ميرزائي ) .
5- ( آيشان ) : تقال لـ" السيد " في أفغانستان ، و لا تقال في كل سيد عندهم !
6- ( باتشا ) : تقال في " السيد " من منطقة معينة ، و عادة ما يكونون من عوائل ( البشتون ) في أفغانستان ، و منهم طائفة في ولاية ( كونر ) الشهيرة . و من معانيها ( الملك ) ، و ربما أطلقت على غير ( السيد ) .
فائدة : ورد في " دائرة المعارف الاسلامية " :" .. ، و يدعي بعض العشائر ( في أفغانستان ) الانتساب إلى أصل من السادات ( علي بن أبي طالب ) . و هي من عشائر : الشراني ، و الكاكر ، و الكراني ، و الداوائي ، و الترين ، و الميانه ، و البتني . و تدعي كذلك قبائل الكندابور و الأسترانه مثل هذا النسب ، و قد كانت في الأصل من بطون الشرانيين ، و لكنها الآن منفصلة عنها . و تدعي قبائل الـ" بنكش " أنها من نسل قريش … ، " أهـ . ( 2 / 368 ) .
8- ( آغا ) : لقب " الآغا " في عهد العثمانيين كان يطلق في بغداد ( في العشرينيات من القرن العشرين ) على : المختار ، أو المتميز في القرية ، أو أصحاب الجاه و الثروة ، مثل بيت : عارف آغا ، الملاكين في بغداد ، و بيت حسون آغا في الكرخ ، و بيت محمد آغا القلمجي ، و آغا بابا اليهودي الذي سكن الفلوجة ، و بيت قنبر آغا التجار الصناعيين المعروفين ، و بيت آغا جعفر في بغداد و البصرة و الذين كانوا نواباً في المجلس النيابي " . انظر : بغداد في العشرينات لعباس بغدادي ( ص 276-277 ) .
9- ( بيبـي ) : و هو يستخدم في النساء بكثرة . و هذا اللفظ أعجمي يشيع استخدامه عند أهل فارس و من تأثر بها كالهند و ما حولها ، و قد تسمت به عدد من المحدثات ، و ورد في حديث في السنن .
الإيقاظ الثاني : ما مدى دلالة تلك الألفاظ على السيادة ؟
من المتقرر أن الأنساب لا تثبت بمجرد الألفاظ أو التواطيء و التشابه في الأسماء ، و إنما تثبت الأنساب بالطرق الشرعية التي دل عليها الشرع ، و مجرد حيازة المرء على لقب أو لفظ لا يكسبه :" النسب " شرعاً و فقهاً .
و تلك الألفاظ السالفة هي من ذلك الجنس .
و بالاستقراء نجد أن نشأة الاستخدام لهذه الألفاظ و الألقاب بتلك الصورة لم يكن منتشراً أو متمحضاً لأناس دون آخرين ، فقد يجتمع فيها اناس ينتسبون للشرف والسيادة مع غيرهم ، و لهذا لم يستقر بها عرف ، أو يطرد بها عمل ، كما في مصطلحي " الشريف " ، و " السيد " على ما فيهما من خلاف و عدم تمحض ، كما هو مشهور عند النسابين و المعاصرين .
و سبب ذلك يعود لأمور :
أولاً : أنَّ هذه الألفاظ - على وجه التلقيب للسادة أو للأشراف - لم يستقر بها عرف ، و لم يجر بها عمل مطرد عندهم . و إنَّ المستقرأ لأحوال بلاد العجم ( إيران ، و أفغانستان ، و الهند و ما حولها ) منذ سقوط الدولة العباسية إلى الآونة الأخيرة ، يدرك أن هذه المجتمعات مجتمعات غير مستقرة - بل هي مضطربة مختلفة - ، لم تهنء بالاستقرار لجيل واحد إلا في القليل النادر ، مصداقاً للأحاديث الواردة في هذا الباب أن الفتن من جهة الشرق .
و إذا كان الحال كذلك ، فلا يمكن للأعراف أو المصطلحات أن تتمحض لأحد دون الآخر . و هذه جملةُ استقرآء تؤخذ من شواهدها التفصيلية ، و لا يمكن التدليل على هذه الجملة بوقائعها الجزئية لكثرة ما يمر من شواهدها في كتب القوم ، و الاستقراء دليل كلي ، و من ارتاب في ذلك ، فالتاريخ حكمٌ ، يُرجع إليه في مثل هذا الأمر .
و مما يستشهد به في هذا الباب ما قاله محمد باقر الخوانساري الرافضي في " روضات الجنات" ، حيث استشكل نسبة بعض علمائهم إلى الشرف بسبب تحليته بلفظ " مير " ، فقال :" … ، فإن لفظ " المير " قد كان في الزمان السالف علامة لمطلق الرئاسة و الإمارة بل في هذه الأزمنة أيضاً في بعض نواحي خراسان كذلك ، بخلاف السيد و الشريف ، فإنهما لم يطلقا من بعد زمن الأئمة على غير معنييهما المعهودين ، فليتأمل " أهـ .
و قد ورد في " رجال المماقاني " : أن العجم يقولون : " ميرزا " لمن أمه علوية . و هذا يدل على أن الشرف المتحصل من هذه الألقاب عند القوم إنما هو أثرٌ من آثار مسألة " الشرف من الأم " ، و لهذا قيل في " الشيخ عبدالرحيم " من أسرة " آل شهريار " أنه شريف لأن أمه علوية بنت خادم الروضة الحيدرية . و نُسِبَ : أحمد شريف الأنصاري إلى :" الحسينية " بسبب أن أمه حسينية فيما يقولون . قال آغا بزرك الطهراني :" … ، و ذكر في آخره أن أمه بنت شرف الدين حسن الحسيني ،.. ، فيظهر أن النسبة إلى الحسيني إنما هي من طرف أمه ، و لذا وصفه بـ:" شريف " ، و ليس هو من السادة من طرف الأب . " أهـ . و قيل أيضاً في : محمد شريف بن فلاح الكاظمي النجفي ( مات قبل 1191 ) أنه :" السيد الشريف " ، كما في كتاب ( تتميم الأمل ص179 ) . و ردَّ بزرك الطهراني على هذه الدعوى بقوله :" … ، و ما يرى في" التتميم " من توصيفه بالسيد الشريف إنما هو من طرف الأمهات ، أو من باب أنه سيد الشعراء ! مثل السيد إسماعيل الحميري ، … " أهـ .
بل إن بعض الأسر الغير علوية تتحصل على لقب " الشريف " دون نسب لها في الشرف ، و تتحصل عليه بسبب مصاهرة من ينتسب للشرف من الرافضة ، كما في بيت " الشريف " الذين صاهروا الخاتون آبادية المنتسبين للأفطس ، و هم بيت صغير لا يعرف منه أحد اليوم في " النجف " ، فقد تحصلوا على هذا اللقب ، و أصبحوا يخاطبون به بسبب أن أحد أجدادهم ، وهو " آغا عبدالرحيم " كان يطلق عليه " الشريف الكبير " ، بسبب أن أمه علوية أفطسية !! و لهذا السبب عقدت لهم ترجمة في " مشجرة السادة الخاتون آبادية " التي ألفت سنة 1139 .
ثانياً : و مما يضعف اعتبار هذه الألفاظ دليلاً على السيادة و الشرف ، أنها غدت في مفهومهم العام ألفاظاً تدل على الوجاهة و الرئاسة و الملك و الاحترام ، و نحو ذلك . فهي ألفاظ تبجيل و تعظيم لا غير . و لهذا يطلقها - اليوم- الابن لأبيه و الحفيد لجده ، مع عدم وجود تقدم بالنسبة للسيادة و الشرف ، و إذا أراد المرء منهم - كما في الهند و أفغانستان - تعظيم ابنته الصغيرة ، ناداها بقوله :" بيبي " . و إذا نادى الابن أباه - إذا كبر - قال له : آغا ، على وجه التقدير و الاحترام ، فإذا اشتهر به بعد ذلك ، و أعقب أولاداً ، أيكون أولاده من آل البيت بمجرد ذلك التلقيب ؟! .
ثالثاً : بإستقراء كتب تراجم و متأخري الشيعة ، يتبين أن تلك الألفاظ لم تكن تطلق على من كان من ذرية الحسنين بدون إضافة : السيد ، أو :الشريف ، أو : الحسني ، أو : الحسيني ، إليها .
و لهذا لا تكفي هذه الألفاظ للدلالة على ثبوت شرف المتسمي بها ، فلابد من معرفة استقامة عمود النسب .
و لو نقل في بعض آحادهم لقب" الحسني " أو " الحسيني " فيبقى بعد ذلك تصحيح هذه النسبة إلى الحسن و الحسين ! و تصحيح النسبة لا يكون إلا بطرق الإثبات الشرعية ، و هي - في باب النسب - : الفراش ، و الشهادة ، و الاستلحاق ، و القافة على الخلاف المشهور في اعتماد الطريق الأخيرة منها عند العلماء ، و الكلام عن إثبات النسب عندهم عن طريق هذه الطرق الأربعة يطول الحديث فيه ، و ليس هذا محل بحثه أو عرضه .
و لهذا ذهب بعض الباحثين من المتشيعة الرافضة إلى القول بأن :" أمير " لا تستخدم للسادة إلا إذا قرن بها كلمة " سيد " أو " شريف " ، أو " العلوي " أو " الحسني " أو " الحسيني " ، و لهذا شواهد كثيرة في كتب التراجم المتأخرة عندهم .
و كذا القول في كلمة " مير " ، فإنها مختصرة من كلمة " أمير " و عادة ما تأتي قبل اسم الشخص . مثل : " السيد مير أبو الفتح … " ، و " مير مخدوم الحسيني الجرجاني " ( مات سنة 976 ) ، و " السيد مير علي شهاب الحمداني". و محمد مير زاهد بن محمد أسلم الحسيني الهروي ( مات سنة 1101 ) كان محتسب العسكر بكابل ، و توفي بها .
و من هذا نسبة " الميرغني " ، فإنها :" مير غني " ، أي : أمير غني .
و ذكر بعضهم أن هذه الكلمة - أعني : مير - تستخدم لأحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم بصورة واسعة الانتشار في " الهند " .
و على شاكلتهما كلمة " ميرزا " ، فإنها مختصرة من " أمير زاد " ، و معناها :" ابن الأمير " .
و يشابه هذا في الفارسية " أغا " ، و" أغا زاد " .
و لم يثبت عبر التاريخ استخدام هذه العبارة للسادة و الأشراف على وجه التخصيص و الاصطلاح في أي وقت من الأوقات ، و يستثنى من ذلك بعض الأسماء القليلة المترجم لها ، فإنها حليت بلقب :" ميرزا " مع إضافة ما يدل على نسبته لآل البيت ، كـ :" السيد ميرزا إبراهيم بن محمد الموسوي العاملي " ، من معاصري الحر العاملي المتوفى سنة 1104 ، و " السيد ميرزا أبو طالب بن أبي القاسم الموسوي الزنجاني ( ت 1329 ) . و " ميرزا جمال الدين محمد بن غلام رضا الكرماني ، متوفى سنة 1351 " . و يوجد :" ميرزا أبو القاسم نجم الدين النراقي ، وهو ليس من السادات ". و الأخيران من مصنفي الشيعة في علم الرجال .