لمضايف في جنوب العراق
--------------------------------
ما اجملها ساحرة و شامخة تلك البيوت المبنية من القصب موشاة بالهيبة والوقار والصامدة في قرى و اهوار جنوب العراق .
أنها مضايف الجنوب ، المتميزة بجمالها الرائع الذي يضفي على طبيعة الريف الخلابة منظرا مبهرا ، وطريقة بنائها الخاصة بفن ورث من السومريين الذين عاشوا على هذه الأرض قبل آلاف السنين ، وتقاليدها الخاصة .
الكبيرة منها يشيدها شيوخ العشائر ووجهائها ، ليجتمع فيها أبناء القرية في مناسباتهم ، ولتداول شؤونهم ، وللتعلولة وارتشاف فناجين القهوة في الأيام العادية ، أو لفضّ النزاعات ، أو لاستقبال الضيوف .
للمضائف تقاليد أصيلة وأعراف خاصة يحترمها أبناء العشائر ويلتزمون بها ، منها توقير الكبير ، وتقديم ( السيد ) الذي ينتهي نسبه إلى الرسول محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) مهما كان شانه الاجتماعي ، وإكرام الضيف والقيام بخدمته ، وحماية ( الدخيل ) ، وصيانة حقوق الناس .
في مضايف الجنوب ، يتعلم الأبناء حكايات الآباء ، تلك الحكايات المملوءة حكمة ، ومنطق صقلته تجارب الحياة ، يسميها الناس هنا في الجنوب ( الحسجة ) والتي لا يتقن فنها إلا من كان حاذقا فطنا لبقا .
تدل المصادر التاريخية على أن المضائف المبنية من القصب هي موروث قديم في المنطقة ، يعود إلى أيام السومريين ، فهناك إشارة في ملحمة كلكامش إلى ( بيت من القصب والبردي ) ، ويقال أن البصرة والكوفة بنيتا من القصب من قبل أهل العراق من أبناء هذه المناطق في أول أيام الفتح الإسلامي عام ( 636 م ) ، حتى أن المسلمين الفاتحين استهجنوا في البدء هذا النوع من البناء الذي لم يكونوا قد عرفوه من قبل ، ولما وصل خبرها إلى الخليفة الثاني ، استغرب ما سمع من وصفها ، إلا انه سمح بها ، وقيل أيضا مما يرويه التاريخ أن سبب حريق البصرة ، بعد سنوات قليلة من الفتح ، هو سرعة انتشار النار في تلك البيوت المبنية من القصب ، والتي احترق معها مسجد البصرة الذي شيد هو الآخر من القصب في أول الأمر ، والغريب في الأمر كما يذكر المؤرخون أن كلمة البصرة مشتقة من كلمة ( بيت صرياثا ) أي ( صريفة ) وهي تعني الكوخ المبني من القصب .
طريقة بناء المضيف
------------------------------
القصب هو المادة الأساسية لهيكل المضيف ، حيث تجمع حزمة من القصب تسمى الواحدة منها ( شبة ) تبدأ بقاعدة كبيرة تثبت في الأرض قطرها ( 75 سم ) ويصغر قطرها تدريجيا حتى يصل في القمة المقوسة للـ ( شبة ) ، وفي وسطها بالتحديد إلى ( 30 سم ) ، ثم يعود قطرها بالتوسع تدريجيا في الجهة المقابلة بنفس القياسات لتثبت القاعدة المقابلة هي الأخرى في الأرض ، وتشد هذه الحزم بقصب ملوي كالحبال يسميها أهل الناصرية ( ملاوي ) ، ويكون عدد ( الشباب ) المقوسة التي تثبت من مدخل المضيف حتى نهايته ( 13 ) شبة ، وتصل في المضائف الكبيرة إلى ( 17 ) شبة ، بعد ذلك تربط الشباب بشكل أفقي بحزم أخرى من القصب يسميها الناس في الأرياف ( الهطر ) ، يعقب ذلك عمل قائمتين من القصب في مدخل المضيف واثنين اخريتين في نهاية المضيف .
ومن ثم يغطى الهيكل ( المقوس ) للمضيف بالحصران العراقية المصنوعة من القصب المشظى ، والتي تسمى الواحدة منها ( بارية ) ، وفي تسمية البارية دليل آخر على الموروث السومري ، حيث يقول المرحوم طه باقر إنها مشتقة من ( بورو ) السومرية التي كانت تعني الحصران التي تصنع كما هي اليوم .
في الجنوب تميزت مضائف اشتهرت بكبر حجمها ، وسعة مساحتها ، وكرم أهلها و وجاهتهم ،
و المضائف موروث أصيل توارثه الابناء عن الاجداد ، وتؤدي في القرى دورا اجتماعيا مهما فهي ملتقى أبناء العشيرة يتداولون فيها أمورهم ، ويحلون مشاكلهم ، كما كان لها دور رئيسي في تسيير شؤون الناس في القرى في الأيام التي غاب فيها القانون في فترات مختلفة من التاريخ .
و للمضايف في الجنوب دور تعليمي ونشر الثقافة الدينية ، فقد حرص أصحاب المضائف على مر التاريخ ، على إحياء المناسبات الدينية ، خصوصا أيام شهر محرم وذكرى استشهاد الإمام الحسين ( ع ) ، حتى في الأيام التي شهدت التضييق على هذه الشعائر من قبل السلطات المتعاقبة ، إلا إنها بقيت واستمرت ولله الحمد .
تعتبر المضائف كما يقولون ( المجالس مدارس ) ففيها يتعلم الناس الدروس والعبر ، وقيم الأخلاق والفروسية والشجاعة .
و بعض الدوواين اليوم في القرى اخذ أصحابها يشيدونها بطريقة حديثة من الطابوق ، إلا أن المضائف العربية المبنية من القصب لها وضعها الخاص ووقع وحضور يختلف عن البناء الحديث ، لذا فان كثيرين يحافظون على شكلها التراثي اعتزازا بأصالتها .
أن للمضايف تقاليد وأصول ينبغي احترامها والالتزام بها ، مبنية على أسس الاحترام المتبادل ، سواء في طريقة السلام والتحية ، أو الجلوس ، أو في تقديم القهوة ، أو في طريقة الكلام ، فهي أعراف جادة قد يكون الإنسان لا يلتزم ببعضها بصرامة خارج المضيف .
أن هناك ناس متخصصون يتقنون طريقة تشييد المضيف بهذا الشكل الرائع الذي يراه الإنسان
هذه هي مضايف أهلنا من العشائر العربية الأصيلة في جنوب العراق ، والتي تحدت الزمن منذ 7000 عام ، وستبقى شامخة بقيمها وكرمها وعراقتها .....
كان الكرام كثيرا في مرابعها ** لايأنس الضيف الا في نواديها
------------------------
م ن ق و ل
--------------------------------
ما اجملها ساحرة و شامخة تلك البيوت المبنية من القصب موشاة بالهيبة والوقار والصامدة في قرى و اهوار جنوب العراق .
أنها مضايف الجنوب ، المتميزة بجمالها الرائع الذي يضفي على طبيعة الريف الخلابة منظرا مبهرا ، وطريقة بنائها الخاصة بفن ورث من السومريين الذين عاشوا على هذه الأرض قبل آلاف السنين ، وتقاليدها الخاصة .
الكبيرة منها يشيدها شيوخ العشائر ووجهائها ، ليجتمع فيها أبناء القرية في مناسباتهم ، ولتداول شؤونهم ، وللتعلولة وارتشاف فناجين القهوة في الأيام العادية ، أو لفضّ النزاعات ، أو لاستقبال الضيوف .
للمضائف تقاليد أصيلة وأعراف خاصة يحترمها أبناء العشائر ويلتزمون بها ، منها توقير الكبير ، وتقديم ( السيد ) الذي ينتهي نسبه إلى الرسول محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) مهما كان شانه الاجتماعي ، وإكرام الضيف والقيام بخدمته ، وحماية ( الدخيل ) ، وصيانة حقوق الناس .
في مضايف الجنوب ، يتعلم الأبناء حكايات الآباء ، تلك الحكايات المملوءة حكمة ، ومنطق صقلته تجارب الحياة ، يسميها الناس هنا في الجنوب ( الحسجة ) والتي لا يتقن فنها إلا من كان حاذقا فطنا لبقا .
تدل المصادر التاريخية على أن المضائف المبنية من القصب هي موروث قديم في المنطقة ، يعود إلى أيام السومريين ، فهناك إشارة في ملحمة كلكامش إلى ( بيت من القصب والبردي ) ، ويقال أن البصرة والكوفة بنيتا من القصب من قبل أهل العراق من أبناء هذه المناطق في أول أيام الفتح الإسلامي عام ( 636 م ) ، حتى أن المسلمين الفاتحين استهجنوا في البدء هذا النوع من البناء الذي لم يكونوا قد عرفوه من قبل ، ولما وصل خبرها إلى الخليفة الثاني ، استغرب ما سمع من وصفها ، إلا انه سمح بها ، وقيل أيضا مما يرويه التاريخ أن سبب حريق البصرة ، بعد سنوات قليلة من الفتح ، هو سرعة انتشار النار في تلك البيوت المبنية من القصب ، والتي احترق معها مسجد البصرة الذي شيد هو الآخر من القصب في أول الأمر ، والغريب في الأمر كما يذكر المؤرخون أن كلمة البصرة مشتقة من كلمة ( بيت صرياثا ) أي ( صريفة ) وهي تعني الكوخ المبني من القصب .
طريقة بناء المضيف
------------------------------
القصب هو المادة الأساسية لهيكل المضيف ، حيث تجمع حزمة من القصب تسمى الواحدة منها ( شبة ) تبدأ بقاعدة كبيرة تثبت في الأرض قطرها ( 75 سم ) ويصغر قطرها تدريجيا حتى يصل في القمة المقوسة للـ ( شبة ) ، وفي وسطها بالتحديد إلى ( 30 سم ) ، ثم يعود قطرها بالتوسع تدريجيا في الجهة المقابلة بنفس القياسات لتثبت القاعدة المقابلة هي الأخرى في الأرض ، وتشد هذه الحزم بقصب ملوي كالحبال يسميها أهل الناصرية ( ملاوي ) ، ويكون عدد ( الشباب ) المقوسة التي تثبت من مدخل المضيف حتى نهايته ( 13 ) شبة ، وتصل في المضائف الكبيرة إلى ( 17 ) شبة ، بعد ذلك تربط الشباب بشكل أفقي بحزم أخرى من القصب يسميها الناس في الأرياف ( الهطر ) ، يعقب ذلك عمل قائمتين من القصب في مدخل المضيف واثنين اخريتين في نهاية المضيف .
ومن ثم يغطى الهيكل ( المقوس ) للمضيف بالحصران العراقية المصنوعة من القصب المشظى ، والتي تسمى الواحدة منها ( بارية ) ، وفي تسمية البارية دليل آخر على الموروث السومري ، حيث يقول المرحوم طه باقر إنها مشتقة من ( بورو ) السومرية التي كانت تعني الحصران التي تصنع كما هي اليوم .
في الجنوب تميزت مضائف اشتهرت بكبر حجمها ، وسعة مساحتها ، وكرم أهلها و وجاهتهم ،
و المضائف موروث أصيل توارثه الابناء عن الاجداد ، وتؤدي في القرى دورا اجتماعيا مهما فهي ملتقى أبناء العشيرة يتداولون فيها أمورهم ، ويحلون مشاكلهم ، كما كان لها دور رئيسي في تسيير شؤون الناس في القرى في الأيام التي غاب فيها القانون في فترات مختلفة من التاريخ .
و للمضايف في الجنوب دور تعليمي ونشر الثقافة الدينية ، فقد حرص أصحاب المضائف على مر التاريخ ، على إحياء المناسبات الدينية ، خصوصا أيام شهر محرم وذكرى استشهاد الإمام الحسين ( ع ) ، حتى في الأيام التي شهدت التضييق على هذه الشعائر من قبل السلطات المتعاقبة ، إلا إنها بقيت واستمرت ولله الحمد .
تعتبر المضائف كما يقولون ( المجالس مدارس ) ففيها يتعلم الناس الدروس والعبر ، وقيم الأخلاق والفروسية والشجاعة .
و بعض الدوواين اليوم في القرى اخذ أصحابها يشيدونها بطريقة حديثة من الطابوق ، إلا أن المضائف العربية المبنية من القصب لها وضعها الخاص ووقع وحضور يختلف عن البناء الحديث ، لذا فان كثيرين يحافظون على شكلها التراثي اعتزازا بأصالتها .
أن للمضايف تقاليد وأصول ينبغي احترامها والالتزام بها ، مبنية على أسس الاحترام المتبادل ، سواء في طريقة السلام والتحية ، أو الجلوس ، أو في تقديم القهوة ، أو في طريقة الكلام ، فهي أعراف جادة قد يكون الإنسان لا يلتزم ببعضها بصرامة خارج المضيف .
أن هناك ناس متخصصون يتقنون طريقة تشييد المضيف بهذا الشكل الرائع الذي يراه الإنسان
هذه هي مضايف أهلنا من العشائر العربية الأصيلة في جنوب العراق ، والتي تحدت الزمن منذ 7000 عام ، وستبقى شامخة بقيمها وكرمها وعراقتها .....
كان الكرام كثيرا في مرابعها ** لايأنس الضيف الا في نواديها
------------------------
م ن ق و ل