رهان مع القاضي حول قصيدة
جرت أحداث هذة القصة المختارة قديما قبل لا يقل عن المائتي عام في منطقة عنيزة قلب القصيم .. وقلت منطقة عنيزة ولم أقل مدينة عنيزة لصغر حجمها آنذاك مقارنة بحجمها الحالي .. إلا أنها منطقة زراعية أشتهرت بزراعة النخيل ( السكري وهو أحد أجود أنواع الرطب والتمور ، وكذلك بعض الخضروات البسيطة والقمح)، سميت قديما بلقب " باريس نجد " يسكنها مجموعة من الأسر العريقة الكريمة أمثال أسرة القاضي وغيرهم من الكرام أهل عنيزة والقصيم وشبة الجزيرة العربية والعرب جميعا ..
كان بطل هذة القصة .. الشاعر محمد بن عبدالله القاضي وهو شاعر ويمتهن مهنة القضاة رجل خلوق أديب .. يتسم بالوقار ..إذا حضر في محلٍ ما كان قطب ذلك المجلس لما تحمل طيات أحاديثه المشوقة من أدب وشعر وطرافة وعفة غزل .. كان شاعرا فحلا لا يشق له غبار سليل أسرة أشتهرت بشيئين : مهنة القضاء والشعر..
حدث أن شاعرنا والذي إعتاد إرتياد أحد المجالس ( الديوانيات ) أن قال له صاحب مجلسه : إنك يا القاضي لا تستطيع الإتيان بقصيدة دون أن تعرج على ذكر الغزل فيها .. وتحدى صاحب المجلس القاضي بأن يأتي على قصيدة لا تقل عن عشرين بيتاً دون أن يأتي فيها على بيت واحد من الغزل .. لمعرفته بطبع القاضي الرقيق وحبه لذكر الغزل العفيف ووصف المحبوب بما يليق من الأوصاف الراقية لفظا ومعنى .. وكان الرهان بينهما أن يولم الخاسر في الرهان لرواد المجلس وإتفقا على يوم معين يأتي فيه القاضي ليلقي قصيدته .. فكان ذلك اليوم
أتى الشاعر محمد بن عبدالله القاضي وقد أعد واحدة من أجمل القصائد التي وصفت القهوة وظلت إلى يومنا الحاضر مرجعا في الشعر النبطي لوصف القهوة وطريقة صنعها وما يضاف إليها من بهار للعناية بها قبل تقديمها للضيوف وقد إهتم العرب في الجزيرة العربية على وجه الخصوص بالقهوة حيث كانت مشروب الضيف وعنوان الكرم وإكرام الضيوف وتغنوا بها كثيرا وحددوا معاني للثلاثة الفناجين الأول كما سمعت فقالوا قديما:
الفنجان الأول .. للضيف
والثاني....... للسيف
والثالث ........للكيف
فالأول حق إكرام الضيف يبادر فيه المضيف .. والثاني يأمن به الضيف ويلقى بشربه الحماية من مضيفه والثالث .. يكيف به مزاجه
عودة إلى حديثنا ..
قال القاضي في وصفه للقهوة وقد بدأ قصيدته بوصف حال نفسه وما توطنها من هموم:
يا مل قلب كلما إلتم بالأشــواق .. من عـام الأول به دواكيــك وخـفـوق
كنه مع الدلال يجلب بالأســواق .. وعايم عند إمعزل الوســط مـا سوق
يجاهد جنود في سواهيج الأطراق .. ويكشف له اسرار كتمها بصندوق
لا عن له تذكار الأحباب وإشتـاق .. باله وطاف بخـاطره طـــاري الشوق
* ثم راح يصف القهوة .. وكيفية صنعها تفصيلا وهو موضوع القصيدة والرهان ...
دنيت له من غـالي البن مـا لاق ... بالكـف نـاقـيـها عن العـذف منســوق
إحمس ثلاث يا نديمي على ساق ريحه على جمر الغضى يفضح السوق
وإيـــاك والنيـة وبالك والأحـــراق .. وإحـذر تصير بحمسة البـن مـطـفـوق
إلى إصفر لونه ثم بشت بالأعراق .. أصـفـر كما الياقـوت يطرب لها الموق
وعطت بريح فـاخـر فـاضـح فـاق .. ريحه كما العنبــر بالأنـفـاس منشـوق
دقه بنجر يسمعه كـل مشـتـاق .. راع الهــوى يطرب إلى دق بـخـفــوق
لـقِـم بدلـة مـولــع كـنــها ســاق ... مـصبـوبـة مـربـوبـة تـقل غـرنــــوق
خله تــفـوح وراعـي الكيـف يشتــاق إلى طـفـح له جوهــر صح له ذوق
أصـفـر قموره كالزمـرد بالأشعاق .. وكبــارها الطـافح كما صافي الموق
* بعد طبخ القهوة .. وإستوائها ودليل ذلك ريحتها الفواحة الطيبة التي تزكم الأنوف طيبا .. يذكر القاضي البهارات التي تضاف للقهوة آنذاك ( والتي سبقها بقوله خمسة أرناق) أي خمسة أصناف وهو ما يدل على عناية العرب بالقهوة قديما :
زله على وضحى بها خمسة أرنــاق .. هيل ومسمار بالأسبـــاب مسحــوق
مع زعفران والشمطري إلى إنساق .. والعنبر الغــالي على الطاق مطبوق
* الآن جهزت القهوة .. وجاء وصف تقديمها .. يقول القاضي مسترسلا :
فلـيـا اجـتـمـع هـذا وهـذا بتـيفــاق .. صبه كفيت العــــوق عن كــل مخلوق
بفنجان صين زاهي عند الأرمــــاق .. يغضي بكرسيه كما إغـضــاة غـرنـوق
إلى إنطلق من ثعبته تـقل شبراق .. أو دم قــلــب وإنـمــزع منـه مـعـلــوق
* أثناء قيام القاضي بسرد أبياته منذ البداية .... علم صاحب البيت بشاعرية القاضي وأنه خاسر لا محالة .. وكان قد اتفق مع أهله أن يدبروا دعابة تلهي القاضي وتصرفه عن الشعر والمعنى الذي اعده .. لكي يعرج مضطرا على الغزل .. لكن كيف يمكنه فعل ذلك ؟؟ لابد أن يرى فتاة وأي فتاة .. لابد أن يرى فتاة جميلة تصرفه عن القهوة وتشده طائعا للغزل .. قبل أن يصل القاضي للبيت الثامن عشر .. دخل صاحب البيت وأشار لفتاة جميلة من أهل بيته ، فتاة بيضاء في زهرة الشباب إختلط بياض وجهها مع حمرته .. وكانت ممتلئة الجسم بضة، قيدت الحجول ساقيها وضقن ذرعا بها وكذلك الذراعان فهن الأخريات حبيسات للأساور ينشدن الحرية ..طلب من الفتاة أن تحمل وعاء من الفخار مملوء ماءاً وتدخله من باب المجلس الذي يفيء على فناء الدار .. تدخل الوعاء عند الباب .. بمسافة كافية وتتركه وتنصرف .. لمدة وجيزة كافية لكي يراها القاضي وينصرف عن الأبيات التي أعدها عن موضوع القصيدة والرهان.. وكان ذلك ... فما أن رآها القاضي حتى تحول أتوماتيكيا للغزل فقال مكملا مرتجلا باقي القصيدة:
إلى حصل لك صـاحبك وأنت مشتاق .. إقـطـف زهر ما لاق والعمر ملحوق
عـبـث يـعـيل بحبه مــا بـعـد مــــاق .. وهـو يزاهي بــاهـــر البــدر بعشوق
بين إشفتيه إلى غـنـج حـق بـــراق .. عـجل رفيفه بالطــهــا يعطي طبوق
سـطـر كتب من حبـر عينيه بــأوراق .. خـديه صــاديـن ونـونـيـن من فــوق
كن العــرق بخدودها حمر الأرنــــاق ... ينثر على الوجنات باللون مـعشوق
إلى تبسم شــع وأشرق بالآفـــــاق ... نوره يفوق البـــدر سحــر ومنطوق
بالعـنــق كـن المســك والخــد براق .. شخص بصدره كما الشــاخ مدقوق
يمشي برفق خايف مدمج الســـاق .. يفصم حجول ضامها الثقل من فوق
فليــا حـضـر مـا قلت عندي بالأرزاق .. بيد كـــريــم كـــافلــــن كل مخلوق
صـــلاة ربي عـد مــا بــــارق حـــاق .. على النبي الهـاشمي خير مخلوق
وهكذا خسر القاضي بدعابة مدبرة من صاحب المجلس .. إلا ن صاحب المجلس أخبر القاضي بتدبيره وأولم للحاضرين بالمجلس ..
هذه كانت الرواية التي سمعتها عن قصة قصيدة القاضي الرائعة التي قالها في القهوة وترك لنا معلم من معالم التراث باقي ما بقى الشعر النبطي ومن يرويه ..
جرت أحداث هذة القصة المختارة قديما قبل لا يقل عن المائتي عام في منطقة عنيزة قلب القصيم .. وقلت منطقة عنيزة ولم أقل مدينة عنيزة لصغر حجمها آنذاك مقارنة بحجمها الحالي .. إلا أنها منطقة زراعية أشتهرت بزراعة النخيل ( السكري وهو أحد أجود أنواع الرطب والتمور ، وكذلك بعض الخضروات البسيطة والقمح)، سميت قديما بلقب " باريس نجد " يسكنها مجموعة من الأسر العريقة الكريمة أمثال أسرة القاضي وغيرهم من الكرام أهل عنيزة والقصيم وشبة الجزيرة العربية والعرب جميعا ..
كان بطل هذة القصة .. الشاعر محمد بن عبدالله القاضي وهو شاعر ويمتهن مهنة القضاة رجل خلوق أديب .. يتسم بالوقار ..إذا حضر في محلٍ ما كان قطب ذلك المجلس لما تحمل طيات أحاديثه المشوقة من أدب وشعر وطرافة وعفة غزل .. كان شاعرا فحلا لا يشق له غبار سليل أسرة أشتهرت بشيئين : مهنة القضاء والشعر..
حدث أن شاعرنا والذي إعتاد إرتياد أحد المجالس ( الديوانيات ) أن قال له صاحب مجلسه : إنك يا القاضي لا تستطيع الإتيان بقصيدة دون أن تعرج على ذكر الغزل فيها .. وتحدى صاحب المجلس القاضي بأن يأتي على قصيدة لا تقل عن عشرين بيتاً دون أن يأتي فيها على بيت واحد من الغزل .. لمعرفته بطبع القاضي الرقيق وحبه لذكر الغزل العفيف ووصف المحبوب بما يليق من الأوصاف الراقية لفظا ومعنى .. وكان الرهان بينهما أن يولم الخاسر في الرهان لرواد المجلس وإتفقا على يوم معين يأتي فيه القاضي ليلقي قصيدته .. فكان ذلك اليوم
أتى الشاعر محمد بن عبدالله القاضي وقد أعد واحدة من أجمل القصائد التي وصفت القهوة وظلت إلى يومنا الحاضر مرجعا في الشعر النبطي لوصف القهوة وطريقة صنعها وما يضاف إليها من بهار للعناية بها قبل تقديمها للضيوف وقد إهتم العرب في الجزيرة العربية على وجه الخصوص بالقهوة حيث كانت مشروب الضيف وعنوان الكرم وإكرام الضيوف وتغنوا بها كثيرا وحددوا معاني للثلاثة الفناجين الأول كما سمعت فقالوا قديما:
الفنجان الأول .. للضيف
والثاني....... للسيف
والثالث ........للكيف
فالأول حق إكرام الضيف يبادر فيه المضيف .. والثاني يأمن به الضيف ويلقى بشربه الحماية من مضيفه والثالث .. يكيف به مزاجه
عودة إلى حديثنا ..
قال القاضي في وصفه للقهوة وقد بدأ قصيدته بوصف حال نفسه وما توطنها من هموم:
يا مل قلب كلما إلتم بالأشــواق .. من عـام الأول به دواكيــك وخـفـوق
كنه مع الدلال يجلب بالأســواق .. وعايم عند إمعزل الوســط مـا سوق
يجاهد جنود في سواهيج الأطراق .. ويكشف له اسرار كتمها بصندوق
لا عن له تذكار الأحباب وإشتـاق .. باله وطاف بخـاطره طـــاري الشوق
* ثم راح يصف القهوة .. وكيفية صنعها تفصيلا وهو موضوع القصيدة والرهان ...
دنيت له من غـالي البن مـا لاق ... بالكـف نـاقـيـها عن العـذف منســوق
إحمس ثلاث يا نديمي على ساق ريحه على جمر الغضى يفضح السوق
وإيـــاك والنيـة وبالك والأحـــراق .. وإحـذر تصير بحمسة البـن مـطـفـوق
إلى إصفر لونه ثم بشت بالأعراق .. أصـفـر كما الياقـوت يطرب لها الموق
وعطت بريح فـاخـر فـاضـح فـاق .. ريحه كما العنبــر بالأنـفـاس منشـوق
دقه بنجر يسمعه كـل مشـتـاق .. راع الهــوى يطرب إلى دق بـخـفــوق
لـقِـم بدلـة مـولــع كـنــها ســاق ... مـصبـوبـة مـربـوبـة تـقل غـرنــــوق
خله تــفـوح وراعـي الكيـف يشتــاق إلى طـفـح له جوهــر صح له ذوق
أصـفـر قموره كالزمـرد بالأشعاق .. وكبــارها الطـافح كما صافي الموق
* بعد طبخ القهوة .. وإستوائها ودليل ذلك ريحتها الفواحة الطيبة التي تزكم الأنوف طيبا .. يذكر القاضي البهارات التي تضاف للقهوة آنذاك ( والتي سبقها بقوله خمسة أرناق) أي خمسة أصناف وهو ما يدل على عناية العرب بالقهوة قديما :
زله على وضحى بها خمسة أرنــاق .. هيل ومسمار بالأسبـــاب مسحــوق
مع زعفران والشمطري إلى إنساق .. والعنبر الغــالي على الطاق مطبوق
* الآن جهزت القهوة .. وجاء وصف تقديمها .. يقول القاضي مسترسلا :
فلـيـا اجـتـمـع هـذا وهـذا بتـيفــاق .. صبه كفيت العــــوق عن كــل مخلوق
بفنجان صين زاهي عند الأرمــــاق .. يغضي بكرسيه كما إغـضــاة غـرنـوق
إلى إنطلق من ثعبته تـقل شبراق .. أو دم قــلــب وإنـمــزع منـه مـعـلــوق
* أثناء قيام القاضي بسرد أبياته منذ البداية .... علم صاحب البيت بشاعرية القاضي وأنه خاسر لا محالة .. وكان قد اتفق مع أهله أن يدبروا دعابة تلهي القاضي وتصرفه عن الشعر والمعنى الذي اعده .. لكي يعرج مضطرا على الغزل .. لكن كيف يمكنه فعل ذلك ؟؟ لابد أن يرى فتاة وأي فتاة .. لابد أن يرى فتاة جميلة تصرفه عن القهوة وتشده طائعا للغزل .. قبل أن يصل القاضي للبيت الثامن عشر .. دخل صاحب البيت وأشار لفتاة جميلة من أهل بيته ، فتاة بيضاء في زهرة الشباب إختلط بياض وجهها مع حمرته .. وكانت ممتلئة الجسم بضة، قيدت الحجول ساقيها وضقن ذرعا بها وكذلك الذراعان فهن الأخريات حبيسات للأساور ينشدن الحرية ..طلب من الفتاة أن تحمل وعاء من الفخار مملوء ماءاً وتدخله من باب المجلس الذي يفيء على فناء الدار .. تدخل الوعاء عند الباب .. بمسافة كافية وتتركه وتنصرف .. لمدة وجيزة كافية لكي يراها القاضي وينصرف عن الأبيات التي أعدها عن موضوع القصيدة والرهان.. وكان ذلك ... فما أن رآها القاضي حتى تحول أتوماتيكيا للغزل فقال مكملا مرتجلا باقي القصيدة:
إلى حصل لك صـاحبك وأنت مشتاق .. إقـطـف زهر ما لاق والعمر ملحوق
عـبـث يـعـيل بحبه مــا بـعـد مــــاق .. وهـو يزاهي بــاهـــر البــدر بعشوق
بين إشفتيه إلى غـنـج حـق بـــراق .. عـجل رفيفه بالطــهــا يعطي طبوق
سـطـر كتب من حبـر عينيه بــأوراق .. خـديه صــاديـن ونـونـيـن من فــوق
كن العــرق بخدودها حمر الأرنــــاق ... ينثر على الوجنات باللون مـعشوق
إلى تبسم شــع وأشرق بالآفـــــاق ... نوره يفوق البـــدر سحــر ومنطوق
بالعـنــق كـن المســك والخــد براق .. شخص بصدره كما الشــاخ مدقوق
يمشي برفق خايف مدمج الســـاق .. يفصم حجول ضامها الثقل من فوق
فليــا حـضـر مـا قلت عندي بالأرزاق .. بيد كـــريــم كـــافلــــن كل مخلوق
صـــلاة ربي عـد مــا بــــارق حـــاق .. على النبي الهـاشمي خير مخلوق
وهكذا خسر القاضي بدعابة مدبرة من صاحب المجلس .. إلا ن صاحب المجلس أخبر القاضي بتدبيره وأولم للحاضرين بالمجلس ..
هذه كانت الرواية التي سمعتها عن قصة قصيدة القاضي الرائعة التي قالها في القهوة وترك لنا معلم من معالم التراث باقي ما بقى الشعر النبطي ومن يرويه ..